محمد بن رامس الرواس
لا يمكننا بأيِّ حال من الأحوال أن نلغي تواجد منصات التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية، فقد أصبحت هذه الوسائل يقبل عليها الجميع وخاصة جيل الشباب، وبلا شك أنَّ هذه المنصات تُعد أداة فاعلة تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية تؤثر بشكل كبير على المستخدمين لها بصفة مستمرة، وخاصة فيما يتعلق بالموضوعات التي تحمل في طياتها معتقدات وأفكارا غريبة عن القيم العُمانية.
هذا بجانب الموضوعات اللاأخلاقية، وخاصة لأولئك المستخدمين لها بشكل يومي ومتواصل وتحديدًا في فصل الصيف، فصل الإجازات المدرسية، ووجود أوقات فراغ طويلة، ومن خلال بعض منصات التواصل الأكثر انتشارًا قد ينخرط بعض من الشباب فيها؛ فتدُمِّر مجتمعنا وقّيمه الأصيلة من خلال الانفتاح اللامحدود الذي توفره هذه المنصات بكافة أشكالها وأنواعها.
إن تعدد الثقافات المختلفة لا شك أنه مفيد ونافع في جوانبه الإيجابية، لكن ما يهمنا في مقالنا هذا هو وضع الشباب العُماني عندما يُقبل على وسائل التواصل الاجتماعي بدون ضوابط وحدود وإدراك لما تحمله في طياتها من أمور سلبية.
إن الفائدة تكمن في إثراء المعرفة وتوسيع المدارك ألا أنه في بعض الأحيان يكون لهذه المنصات دور سلبي عبر وجود تيارات وسلوكيات بعيدة عن مجتمعاتنا الأصيلة التي نعيش فيها والتي تستند إلى تقاليد إسلامية وعربية وعُمانية عريقة راسخة، ومثل هذه المنصات ينجرف الشباب إليها من خلال عدة أوجه ومُسميات وعبر نقاشات في بدايتها وظاهرها بريئة، هذا إضافة إلى أن هذه المنصات توفر قيماً رديئة سهلة بسيطة ممتعة مما يؤدي إلى حدوث تشتت فكري وذهني للشباب خاصة أولئك الذين لم يتم تنشئتهم التنشئة السليمة أو بسبب حدوث أزمات أسرية في حياتهم مثل الطلاق وتفكك الأسرة وغياب الرقابة الأسرية.
وسرعة نشر وتداول المعلومات التي لا يمكن التحقق منها من خلال سرعة وصولها وتواصلها بتلك السرعة القياسية يجعل منها موضع الشك في صحتها، وهذه السرعة ظاهريًا تمثل جانباً إيجابياً في وصول المعلومة، لكن هذه السرعة الفائقة تجعلها سلاحًا ذا حدين، وغالبًا ما تؤدي إلى نشر معلومات غير صحيحة أو شائعات مغرضة بدون التحقق من صحتها في غياب عدم التدقيق الكافي؛ فتنتشر بسرعة البرق في وسائل التواصل مما يحدث ارتباك عند تفنيدها؛ حيث إن بعض هذه المعلومات والمفاهيم الخاطئة فقد تؤدي إلى تشويه بعض الحقائق والإضرار بسمعة الأفراد والمؤسسات ويكون تأثيرها سلبياً على المتلقي.
لطالما كان جيل الشباب هو الهدف الذي يسعى مروجو هذه الأفكار الغريبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجذبه إليهم وبشكل مستمر ويومي، لما يجدوه بداخل الشباب من اندفاع وسرعة تجاوب في النقاشات والحوارات دون أن يكون هناك وعي كافٍ؛ بل وجود صعوبة في التمييز بين ما هو ضار وما هو نافع من سلوكيات ومعتقدات وقيم قد تتعارض مع الهوية الثقافية الدينية للمجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الشباب.
لذلك يتطلب الأمر تكاتفًا مشتركًا وتعزيزَ الوعي وحماية الهوية الوطنية بدءًا من المنزل إلى المدرسة إلى الأصدقاء والأصحاب والأهالي والأقارب، وكلٌ له دور في هذا الأمر من حيث التوجيه والإرشاد في النصح.
ختامًا.. أسوق لكم هذه القصة من واقع الحياة، كان شابًا لطيفًا مملوءًا بالحيوية، ووجهه عنوان للبهجة والسرور، وسيم وأنيق، دائمًا ما تجده في الأفراح والأتراح، وهو صاحب واجب كما يقولون، يُضرب به المثل في التواصل مع مجتمعه، وصاحب عطاء، ومساعِد للآخرين يقف معهم ويُرشِدَهم، هذا بجانب حرصه ومداومته على الصلوات في أوقاتها، ولا يفوته شيء من شؤون مجتمعه، أضف إلى ذلك أنه كان من المتفوقين دراسيًا، ومن الأوائل الذين يشار لهم بالبنان وينادى عليهم في منصات التكريم.
لكن في إحدى الإجازات السنوية الدراسية أقبل بشراهة على إحدى المنصات المشهورة وأصبح يقضي فيها وقتًا طويلًا، وبشكل غير طبيعي؛ مما جعله يفقد في شخصيته الكثير من الصفات الحميدة التي كان يمتاز بها. وعلى الرغم من أن هذه المنصة التي يستخدمها تربط الناس من مختلف أنحاء العالم، إلّا أن الاستخدام المُفرِط لها وقضاء الساعات الطويلة في التفاعل الافتراضي ذهبت بصاحبنا الشاب إلى مرحلة شبه انعزالية، وأثرت سلبًا على علاقاته الأسرية والاجتماعية وقللت حتى من أنشطته البدنية وتفاعلاته الواقعية. لأجل ذلك سُقنا هذا المثال حتى لا يصيب الكثير من الشباب ما حصل لهذا الشاب على حساب روابطه الاجتماعية الحقيقية.
لا بُد هنا أن نستكشف الجوانب السلبية لمثل هذه المنصات وما يصاحبها من تأثير على الشباب حتى لا يقعوا في كمائنها، وبراثنها التي قد تقودهم للموت أحيانًا.
إن قضاء الساعات الطويلة والسهر طوال الليل بجانب هذه المنصات قد يفقدنا الصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية ويؤثر سلبًا على سلوكياتنا مع ما قد يحدث لنا من ظهور بعض سلوكيات التنمُّر الإلكتروني من خلال تعليقات سلبية أو حملات تشويه أو نشر شائعات أو التعليق بسخرية؛ مما يؤدي إلى ضغوط نفسية قد تؤدي إلى اكتئاب نفسي، هذا بجانب إلى حدوث اضطرابات في النوم؛ حيث إن الاستخدام المُفرِط لوسائل التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية والهواتف بما تتلقاه أعيننا من كمية الضوء الأزرق المُنبعث من الشاشات والذي- حسبما يقول الخبراء- يُثبِّط إنتاج الميلاتونين (هرمون النوم)، كما إن المحتوى المثير أو المُقلق يمكن أن يجعل الشباب مستيقظين لوقت متأخر.
ولن يفوتنا هنا أن نذكر أنَّ هناك أمرًا خطيرًا جدًا ألا وهو تراجع التحصيل الأكاديمي والدراسي للطلبة الذين يتشتت انتباههم عن الدراسة وأداء المهام التي توكل لهم، فلا يستطيعون تنفيذها بسبب الإرهاق الذي يصيبهم، بجانب فقدانهم وتراجع قدراتهم المهارية وهواياتهم الرياضية وحضورهم الاجتماعي؛ حيث تجد الشاب يُفضِّل التفاعل الافتراضي عن الواقع؛ لدرجة أنه لم يعد يرغب في التواصل مع الأصدقاء والأصحاب مباشرة؛ بل نفضل العالم الافتراضي والرسائل، ويهرب من الواقع وينجرف وراء المعلومات المُضلِّلة، والتي تنتشر انتشار النَّار في الهشيم في وسائل التواصل الاجتماعي.